بسم الله الرحمن الرحيم
كابل: باري بيراك *
ق بل سبع سنوات، وخلال زمن مختلف تمام الاختلاف، وفي افغانستان مختلفة، كان طالب في كلية الطب اسمه دواد صديقي، يقود دراجته خارجا من الجامعة عندما اوقفته شرطة طالبان الدينية. وشعر الشاب بالاسى فقد كان مخالفا لقانونين.
المخالفة الاولى الواضحة هي طول شعره. ففي الوقت الذي كانت تصر فيه طالبان على اطالة الرجال للحاهم، كانوا يعارضون اطالة شعر الرأس، وسمح الطالب لشعره بالنمو. والمخالفة الاخرى الواضحة كانت اكثر خطورة. فإذا بحث رجال طالبان في حقيبته، سيعثرون على قرص مدمج به فيلم جنسي.
وقال صديقي وهو في السادسة والعشرين من عمره، ومن اشهر الشخصيات الافغانية، «لحسن الحظ لم يبحثوا فيما لدي. وكان عقابي الوحيد هو حلق شعري بسبب طوله». وشهرته لا ترجع لأنه من امراء الحرب او من الملالي، ولكن لأنه شخصية تلفزيونية، فهو مقدم برنامج «افغان ستار» وهو النسخة الاميركية لبرنامج «اميركان ايدول».
فمنذ سقوط طالبان في اواخر 2001، تطورت الاوضاع في افغانستان. وبين الظروف غير المتغيرة التي لا تزال تؤثر على الناس هو: استمرار الحرب والقيادات غير القادرة، والشرطة الفاسدة وظروف المعيشة. وطبقا لآخر احصائيات الحكومة، فإن 43 في المائة من كل المساكن لا نوافذ فيها واسطحها محكمة لا تنفذ منها المياه، و31 في المائة لديها مياه شرب نقية و7 في المائة بها دورات مياه.
الا ان التلفزيون ظاهرة على استعداد للانطلاق، فقد اصبحت افغانستان مبهورة بنفس المنطق الهروبي الذي يغري بقية العالم: مسلسلات شعبية وبرامج طهي يعد فيها طهاة اكلات لا يأكلها معظم الناس في مطابخهم ولا يمكنهم دفع تكلفتها، وبرامج دردشة تكشف اسرار شخصيات لا تشعر بالخجل كما كانت. وتكشف احدث الاحصائيات الوطنية التي ترجع الى عام 2005 ان 19 في المائة من البيوت الافغانية تحتفظ بتلفزيون، وهي نسبة عالية اذا ما عرفنا ان امتلاك تلفزيون كان جريمة في عهد طالبان، ولكن الاهم من ذلك هو ان 14 في المائة من سكان افغانستان لديهم كهرباء عامة. وفي دراسة لهذا العام حول اكثر خمسة اقاليم حضرية، تبين ان ثلثي سكانها ذكروا انهم يشاهدون التلفزيون يوميا او كل يوم تقريبا.
وقال محمد قاسم اخقار، وهو محلل اجتماعي معروف ورئيس تحرير «الناس يشاهدون التلفزيون لعدم وجود شيء آخر يفعلونه». والقراءة بديل محدود لأن 28 في المائة فقط من الناس يعرفون القراءة والكتابة. ولذا يشير اخقار «اين نجد التسلية؟» وفي كابل يلتزم الناس في كل ليلة ببرامج المساء والسهرة، مثلما يلتزمون بالاذان. ويوضح محمد فريد، وهو رجل يجلس في مطعم قديم بجوار مسجد بولي خيشتي، مركزا على مسلسل هندي شعبي ناطق بلغة الداري «مثلما ترى هناك حقيقة في التلفزيون لان الحماوات في جميع انحاء العالم يتسببن في مشاجرات».
وتشاهد النساء، اللائي تتحكم العادات والتقاليد في خروجهن من بيوتهن، المسلسلات في البيت. بينما الرجال احرار في مشاهد التلفزيون بطريقة جماعية. وفي مطعم بعد آخر يجلس المشاهدون وهو يأكلون الارز بأيديهم على الارض وعيونهم مركزة على شاشة تلفزيون. وقال سيد اغا، الذي يبيع الخضروات من عربة صباحا ويشهد المسلسلات خلال الليل، «هذه مشاكل تعلمك الكثير بخصوص الحياة».
وما تشاهده لا يثير جدلا. ففي الساعة السابعة والنصف يشهد الناس مسلسل «بريرنا» على تلفزيون «طلوع» وهو مسلسل شعبي معروف باسم بطلته. وفي الساعة الثامنة ينتقل الناس الى قناة اخرى لمشاهدة «لص بغداد». وفي الثامنة والنصف يعود الناس الى قناة «طلوع» لمشاهدة برنامج «تولسوي» وهو اسم شعبي يعني «لان الحماة كانت زوجة ابن في يوم من الايام».
وتوجد في كابل 8 محطات من بينها محطة حكومية ضعيفة. وقال سعد محسني الذي يدير محطة «طلوع» وهي المحطة ذات الشعبية الكبيرة في معظم البلاد «الوقت الاساسي هو من الساعة السادسة حتى التاسعة مساء، لانه هو الوقت الذي يدير فيه الناس مولداتهم الخاصة».
واضاف «لقد اشترينا لتونا حقوق مسلسل24 الاميركي، ولدينا مشكلة، فمعظم الاشخاص السيئون في المسلسل من المسلمين، ولكن لدينا مجموعات شاهدت البرنامج، وتبين ان معظم الناس لا يهمهم ذلك ما دام الشرير ليس افغانيا».
وكان محسني، وهو مصرفي استثماري سابق، قد بدأ تلفزيون «طلوع (الفجر)» بلغة الداري مع اخوته الثلاثة في عام 2004، بمساعدة منحة من وكالة التنمية الدولية الاميركية. وبعدما قضى حياته في المنفى في النمسا، عاد الى كابل بعد طالبان يبحث عن فرص استثمارية واكتشف ان التلفزيون مجال جيد للاستثمار. وكان ثمن التلفزيون الملون المستعمل 75 دولار.
ولكن ما الذي يريدون مشاهدته؟ لم يسمح للذوق الافغاني بالتطور. فكل شيء سيشاهدونه هو جديد.
وفي معظم الاوقات، يعني ذلك ان «طلوع» حصلت على مجموعة كبيرة من البرامج التلفزيونية الدولية. فبرامج الجرائم الحقيقية قدمت للافغان الاثارة. وبرامج الواقع تلتقط الناس من الشوارع وتبدلهم. وبرامج المسابقات تقدم مكافآت على المعرفة. فالمتسابق الذي يجيب اجابة صحيحة يحصل على غالون من زيت الطعام.
ويبدأ صديقي موسمه الثالث مع برنامج «افغان ستار». ولم يشاهد على الاطلاق برنامج «اميركان ايدول» وقال انه لم يسمع عن مقدم البرنامج الاميركي ريان سيكرست. وبالرغم من ذلك تمكن من تقديم المتسابقين وتوجيه المشاهدين للتصويت عبر الهاتف الجوال.
وقال صديقي «يجب ابلاغك انني استمتع جدا بما اقدمه». وقال مشاهدون من كبار السن الذين يفضلون مشاهدة المسلسلات الشعبية على مسابقات الغناء ان «الناس في الريف والمساجد يقولون ان البرنامج يدمر المجتمع».
وقد جذبت المحطة أعدادا غفيرة من المشاهدين في الوقت الذي تتحدى فيه بعض المحرمات. فقد ذكر زيد محسني شقيق سعد الاصغر «عندما وضعنا رجلا وامرأة على الهواء معا تلقينا شكاوى: هذا غير قانوني، وهذا غير اسلامي. ثم خف النقد. كان الامر جيدا شريطة عدم الحديث مع بعضهما. واخيرا قلت الانتقادات اكثر: يمكنهم الحديث شريطة عدم الضحك».
وتدفع محطات التلفزيون الحدود ولكنها لا تنتهكها. فبرنامج دردشة اسمه «المرأة» يشارك في تقديمه طبيب علم نفس محمد ياسين بابراك. وبينما يسمح للمتصلات عبر الهاتف بالحديث بصراحة، فإن الطبيب النفسي يرد عليهن من منطلق مقدم برامج اكثر من كونه معالجا يعالج مشاكل الحرمان الجنسي. وقال الدكتور «لا اتحدث عن جماع المحارم او المثلية».
اما كليبات الغناء، المستوردة بصفة اساسية من الهند، فتذاع بصفة منتظمة، مع الخضوع للتقاليد الافغانية، فالاذرع المكشوفة ووسط الراقصات يتم تغطيتها بإشرطة خفيفة، بينما المسابقات الرياضية تعتبر اقل اثارة جنسية. فماريا شارابوفا ظهرت على التلفزيون الافغاني في مبارياتها في ويمبلدون بدون تغطيتها.
ومهما كانت القيود، فإن بعض المراقبين يعتبرون التلفزيون مدخلا للانحلال. وقال اية الله عاصف محسني «40 مليون شخص مصابون بالايدز وبفيروس نقص المناعة والتلفزيون يساعد الافغان على المشاركة في هذه الارقام».
وعاصف هو رجل كبير في السن، بالرغم من عدم قرابته للاسرة التي تدير المحطة، فهو ايضا دخل عالم التلفزيون، حيث اسس محطة دينية. وقال «لدينا اقتصاد مدمر. هل تعقد ان المسلسلات الهندية الضعيفة والنساء شبه العاريات هي الاجابة؟» إلا ان اقوى الشكاوى ضد «طلوع» اتت من السياسيين، بمن فيهم اعضاء الحكومة. فنشرة اخبار «طلوع»، وهي حرفية ولكنها لا تتملق الحكومة. فقد عرضت صورا لأعضاء البرلمان وهم نيام او يشاركون في محادثات حادة ثم يقذفون بعضهم البعض بزجاجات المياه. وقد ظهر عضو برلمان وهو يلتقط انفه ثم ينظف اصابعه.
وفي ابريل (نيسان) الماضي عندما اعتقد المدعي العام عبد الجبار ثابت ان المحطة نقلت تصريحات له خارج السياق بعث بالشرطة للقبض على طاقم الاخبار. وقد اضطرت بعثة الامم المتحدة في كابل الى التدخل لحل المشكلة.
وقال سعد محسين رئيس طلوع «أمر في غاية الغرابة. هذا افغانستان، وهي ديمقراطية ناشئة، وليست لدينا مشاكل مع تجار المخدرات او طالبان ولا حتى السكان. مشاكلنا مع الحكومة اما بسبب البيروقراطية او محاولات فرض الرقابة او مع شخص لديها مصلحة يحاول الحصول على مال.
ثم توقف قبل ان يقول «مع الديموقراطية يأتي التلفزيون. وهو امر يصعب على البعض الاعتياد عليه.
وشكراً